بعد أسبوع تزوجت غدير من عمر وكان حفل الزواج متواضعا مراعاة للوضع المتأزم الذي تمر فيه فلسطين في هذه الأيام , وفي طولكرم حاولت ربى جاهدة بإقناع والدها بان يعيد النظر بالنسبة لقراره بتأجيل دراستها إلا أنها فشلت وعلى غير ما توقعت فاجأها والدها بأنه أن الأوان لكي تتزوج من ابن عمها احمد.
كان القرار مؤلما لربى بحيث أنها لم تتحمله فأصابتها حالة من الكآبة استدعت والدها لتأجيل الزواج لشهرين قادمين حتى تستعيد ربى عافيتها طالبا من والدتها بمحاولة إقناعها بضرورة الرضوخ لقدرها والذي هو الأفضل لمستقبلها.
انشغلت الفتيات الثلاث بالأحداث الجديدة فلم يتم أي تواصل بينهن لفترة شهر وكسر هذا الهدوء في علاقتهن ضجيج رنين هاتف غدير
غدير: الو؟
حياة : الو صباح الخير غدير.
غدير: هلا حياة وينك يا بنت زمان ما سمعنا صوتك؟
حياو:يعني انا اللي سمعت صوتك ؟
غدير: اعذريني حياة والله غصب عني بس التهيت بعمر الله يخليلي اياه والله انو شاغلني .
حياة : تتهني يا رب .
غدير : خبرينا كيفك شو اخبارك؟
حياة: منيحة حاكيتك لخبرك عن فارس .
غدير: اها مالو ابو الفوارس ؟
حياة: بكرة رح يجو هو وامو يخطبني من خالي.
غدير: والله الف مبروك شو قلتلك أن ما كان اهتمامو فيكي لله .
حياة: شايفة طلعتي خبيرة نفسيات وانا مو دريانة.
غدير: طبعا انا مو بسيطة ابدا.
حياة:اه والله.
غدير: الله يوفقك يارب بتتصلي علي تحكيلي شو صار.
حياة : ماشي.
بعد أسبوع اتصلت غدير على حياة للاطمئنان عليها ومعرفة ما حدث معها فأخبرتها أن الموضوع انتهى بالرفض من قبل والدته بحجة أن ولدها ما زال صغيرا وغير مضطر لأخذ فتاة كبيرة , تضايقت غدير عند سماعها هذا الخبر ولم تستطع أن تكتم غضبها وأخذت تصيح وهي تتحدث مع حياة وتشتم والدته
غدير: هالكركوبة هاي ام هاي, يعني ابنها احترم رغبتها بس هي ما احترمت رغبتو.
حياة: شايفه هدا الحظ؟
غدير :ولا يهمك بكرة بتلاقي احسن منو.
حياة: هاهاها على العايش.
غدير: أن شاء الله يطول عمرك ويكون حظك احسن حظ فينا.
حياة: أن شاء الله
غدير:حكيتلك شو صار مع ربى ؟
حياة: لاء شو صار معها شي جديد؟ والله انشغلت بهالقصة وما اتصلت عليها من زمان.
غدير:ابوها رحيجوزها الشهر الجاي.
حياة: ودراستها ؟ شو مالو زوج خالتك هاد كنو مجنون؟
غدير: سيئ وانتي الصادقة , بتعرفي مرات بحس اني بكرهو اكثر من اليهود وبتمنى لو يطخو براسو بدل ما هم قاعدين يقتلو بهالشباب.
حياة: لا حرام عليكي لاتكوني شريرة هالقد .
غدير: صدقيني بستاهل اكثر من هيك .
حياة: وشو عملت المسكينة ربى؟
غدير: نفسيتها متل العمى بس بتحكي انها رح تحاول ترضى بقدرها وخاصة انو ابن عمها مالو دخل بالموضوع
وما بيعرف عن قصتها مع رامي.
حياة: الله يعينها , رح اتصل عليها كمان يومين اطمئن عليها.
بعد شهر تزوجت ربى ولم تستطع حياة وغدير الحضور لعرسها بسبب حظر التجول الذي كان مفروضا على مدينة رام الله والحصار الشديد على مدينة نابلس في ذلك اليوم .
مرت الأيام وحال الفتيات كما هو ,وبقين على اتصال مع بعضهن البعض , وبعد ستة أشهر من زواج ربى اتصلت غدير على حياة وكانت تصيح وتولول فلم تفهم حياة منها شيئا وطلبت منها أن تهدا وان تعاود الاتصال بعد قليل وبعد نصف ساعة حاولت حياة الاتصال بغدير ولكن كان جوالها مغلقا فاتصلت على جوال عمر فاتها الرد " الهاتف الذي تحاول الاتصال به لا يمكن الوصول إليه" ابتدأ القلق ينتابها فشعرت أن شيئا يحدث لذا اتصلت على جوال أخت غدير فاتها الرد بعد المحاولة الثانية
اماني: حياة عمر يا حياة قتلوه ولاد الكلب شو دخلو بحياتو ما حمل السلاح ومن اول الانتفاضة وهو يحكي انو استخدام السلاح بها الانتفاضة هو اللي قضى عليها وبالاخر مات بالسلاح الله يلعنهم ويلعن اللي اخترعو ويلعن اللي بتاجر فيو ويلعن اللي بستخدمو .
حياة: م معقول شو عم تحكي يا اماني انا مش مصدقة وين غدير هلا وينتا صار هالحكي؟؟
اماني: لا صدقي ما حدا بامان اللي دخلو واللي ما دخلو عم يدفع الثمن , اليوم العصر صار هاد الحكي وعمر راجع عالبيت انطخ على دوار المنارة , كاينين اليهود مقتحمين رام الله وهو مش عارف , ما دريت المسكينه اختي الا بعد ساعه تاعرفو واحد بالمستشفى واتصل عليها وحكت معنا وهياتنا احنا واهلو عندها ولو تشوفيها الحزينة عيونها ما عم يبطلو ينزلو دموع رح تموت قهر كيف مات عمر قبل ما يشوف ابنو الكل عم يبكي عبكاها وعابنها اللي تيتم قبل ما يشوف الحياة .
حياة : بقدر احكي معها؟
اماني : استني لاوصللها الجوال.
غدير : الو ؟
حياة: مرحبا غدير عظم الله اجرك والله يتقبلو شهيد ويرحمو برحمتو , شدي حيلك ما الك الا الصبر والدعاء .
غدير: رح اموت يا حياة ما بتصور الحياة من غيرو وما بتصور كيف اربي ابني وهو مش معاي والله صعبة صعبة كتير .
حياة: بعرف انها صعبة ومصيبة كمان بس شو بدك تعملي أن لله وان اليه لراجعون.
غدير: انا لله وان اليه لراجعون .
حياة : بكرة انا جاي من الصبح ان شاء الله بكون عندك .
غدير: ما تغلبي حالك .
حياة: شو هالحكي هاد واجبي وبدي توعديني ما تبكي مو كرمالي كرمال عمر .
غدير: وينو عمر هلا ,مراح يا حياة.
حياة: غدير...............
انتهى الاتصال على بكاء الاثنتين .
في اليوم التالي ذهبت حياة لبيت غدير لتجده مليء بالمعزيات اللواتي أتى بعضهن لمواساة غدير والبعض الآخر لمواساة أنفسهن فهذه الانتفاضة جعلت في معظم البيوت شهيد .
رأت حياة غدير وقد كبرت عشر سنين أو يزيد ولم تتمالك غدير نفسها عندما رأتها فأخذت تصيح : قتلوه يا حياة مات عمر قبل ما يشوف ابنو يا دلي علي يا ابني .
انهارت الدموع من حياة وحاولت تهدئتها إلا أنها فشلت .
في السعودية تأثرت ربى كثيرا لموت عمر وبكته كما بكت غيره من الشهداء في بلدها التي افتقدته لدرجة أنها قررت أن تخبر ابن عمها بقصتها مع رامي لعل شهامته تحررها فترجع للبلاد التي أحبتها .
تأثر أحمد لدى سماعه لقصة زوجته ولم يستطع أن يشاركها الفراش تلك الليلة فبات كل منهما في غرفة منفصلة خافت ربى من ردة فعل زوجها فلم تنم ليلتها وانتظرت الصباح بفارغ الصبر لترى ما الذي سيقرره زوجها بشان زواجهما .
في الصباح ذهب احمد إلى عمله دون أن يتحدث بكلمة مع ربى فقضت نهارها وهي قلقة لا تدري ما تفعل .
عند فترة الغداء اتصل عليها زوجها واخبرها انه لا يقبل على نفسه أن تعيش معه وقلبها لرجل آخر .
مرت الأيام وغدير تحاول جاهدة أن تتقبل موت عمر وأنها لن تراه مهما حاولت البحث عنه بالوجوه وأصبحت أغنية محمد عبده الأماكن أغنيتها المسائية التي لا تنام ليلتها قبل سماعها والبكاء على شدوه .
أما بالنسبة لحياة فالحياة بدأت تضيق عليها أكثر فأكثر وصارت تتضايق من أي شيء يحدث دون أن تكون مستعدة له فبعد كل الصحبة التي جمعتها مع أم ربيع انتهت بمشادة كلامية بينهن عايرتها فيها أم ربيع بأنها أصبحت عانس لا تطاق , لم تتخيل حياة أنها ستسمع من جارتها هذا الكلام قط لذا آذاها جدا فشعرت بالتوتر في ذلك اليوم ومع كل محاولتها بان لا تجعل لعدم وجود رجل في حياتها التأثير عليها بصورة سلبية إلا أنها لاحظت على نفسها بأنها تصبح فعلا كما وصفتها العانس التي لا تطاق , بكت كثيرا تلك الليلة ومع قراءتها لكثير من الكتب التي تتحدث عن القدر إلا أنها في لحظة ضعف غضبت كثيرا لهذا القدر الذي يحرمها بان تتشارك ما بقي لها من العمر مع رجل يحبها ويساندها , فسالت نفسها ذلك المساء ما الذي ينقصها حتى لا تكون زوجة رجل تعد له الفطور والغداء, رجل يحدثها في المساء والصباح ويقودها في هذه الحياة دون ملل بل برغبة واهتمام.
وبما أنها لم تجد ما يجيبها عن أسئلتها اضطرت أن تشغل وقتها بما يفيد ويقيها من وسوسة الشيطان فقررت أن تتطوع لدى جمعية الأمل التي تهتم بالسجناء.
يتبع الجزء الأخير>>>